قصائد لا تأكل الخبز صرخة من أعماق الوعي في زمنٍ يزداد فيه الصخب ، تأتي قصائد ملفتة للنظر كصرخةٍ نابعة من أعماق وعي الشاعر أبي أيهم النابلسي، تحمل بين أحضانها عمقاً عاطفياً لا يُضاهى، تلامس أوتار النفس الإنسانية المسكونة بوجع الحرف. قصائد لا تقتصر على كونها مجرد كلمات مرتبة على ورق، بل هي تجربة حية تتغذى على هموم الإنسان ومعاناته. الشاعر أبو أيهم النابلسي لا يكتب ليكسب قوت يومه، بل من أجل أن يعيش، وأن يعبر عن حقيقة وجوده. متجاوزا الحاجات المادية إلى مستوى أعمق من المعنى والتعبير. صارت شكلا من أشكال المقاومة والصمود في وجه الظلم والاضطهاد. وجد فيها الشاعر ملاذه الآمن، يعبر بها عن آرائه بحرية، ويدافع عن قيمه ومبادئه بكل صدق وثبات. إنها صرخةٌ احتجاجٍ على واقعٍ قاسٍ، ودعوةٌ إلى التجديد والتغيير. شكلت مولودا جديدا، مثقلا بهموم الإنسان المعاصر وآلامه وتطلعاته إلى حياة أفضل، لتعبر عن عمق تجربة الشاعر الإنسانية، النابعة من ثقافة عربية أصيلة، وفي الوقت نفسه تعكس روح العصر الذي يعيش فيه. اختار الشاعر أبو أيهم النابلسي مضامين ديوانه من قلب الواقع المعاصر، المليء بالتناقضات والصراعات، تُجسد صورا حية وقاسية عن حياة الإنسان المعاصر، لا يخفي عنا جوانبها المظلمة، بل يسلط عليها الضوء بكل جرأة وشجاعة. مستعينا بقاموسه اللغوي الغني بالحيوية والمرونة، وظفه النابلسي بأسلوب شاعري نابض بالحياة. تعددت إيقاعات الديوان وأشكاله، من الشكل العمودي مرورا بشعر التفعيلة، ووصولا إلى الشعر الحر. يرسم من خلال هذا التنوع البديع مشاهد واقعية مؤلمة، تترك أثراً عميقاً في النفس، وتعكس حياة الإنسان المغترب الذي يبحث عن معنى للحياة، وسط ركام من العنف والظلم والاستبداد، دون أن يتخلى عن رومانسيته المعهودة، وهو يتحدث عن الحب بكل أنواعه، الحب الرومانسي، الحب الأسري، الحب الوطني، الحب الإنساني ..، يعبر به عن ألم الفراق والخسارة. ويدعونا من خلاله الشاعر إلى البحث عن الذات الحقيقية والوقوف عند هويتنا، مع الابتعاد عن كل ما هو زائف وكاذب. رغم كل هذه الظروف الصعبة يبقى الشاعر متمسكاً بالأمل في مستقبل أفضل، يحثنا على مواصلة النضال من أجل تحقيق الأحلام. وقد ذيل الشاعر إحدى قصائده بجملة ( كلمـا استأنفت الكتابة كلمـا استأنفت الحيـاة) ليؤكد لنا أن الكتابة بالنسبة إليه باعث للحياة وجدار صامد في وجه الموت الذي يطارده كشبح ذي مخالب تنبش جسده وتهش على تفكيره وذهنه كل وقت. يتجول صارخا بين أزقة النفس البشرية، ليكشف عن خباياها وأسرارها. بلغةٍ شعريةٍ رصينة وصورٍ فنية بديعة تتجاوز حدود الزمان والمكان.. لهذا، سيظل ديوان " قصائد لا تأكل الخبز" شاهدا على مفهوم الكتابة لدى الشاعر مدادها من دم ومعانيها من لحم.. وهنا تأتي وظيفة الكتابة كما يراها أبو أيهم النابلسي: ( ونكتـب مـا اشتهينـاه يـأتـي ) فالكتابة لها دور إعادة الأمل المفقود ، والبسمة الضائعة التي فارقت الوجوه، والدموع التي تأبى أن ترتاح من السيلان على الخدود.. تاركا للكملة دورها في إيصال المعنى إلى كل من بيده فسيلة ، يتمنى لو انجبت زهرة.. في وجه الريح التي تأبى أن تتوقف. كلمات تعبر بصدق عن أحزانه وهمومه، وقلقه تجاه الوضع الذي تعيش فيه بلدة صباه، همّه الأساسي هو مشاركة الناس همومهم وأوجاعهم بدل التصفيق في وجه الفساد والظلام، عهدي بالشاعر كأنه يُسطر بيان سلام مع النفس والوطن والعالم قاطبة، وليس فقط قصائد تأبى أكل الخبز، بل نراها قادرة على بعث حياة جديدة، وفك العزلة عن كل مغترب يقضي بقية عمره خارج وطنه الجريح.. تمكنه من العثور على هويته الحقيقية، وهو يسير وحيدًا في طريق مظلم. يترقب أجوبة تتأرجح بين بوابة الخيبة والأمل، وبين الإحساس بالعجز والرغبة في التغيير .
بقلم : سعيد محتال / المغرب
تم برعاية : دار المنال العربي
www.dar-al-manal-al-arabi.com
جميع حقوق النشر محفوظة
www.dar-al-manal-al-arabi.com
ديمه العاشور
نغم الحسين
دار المنال العربي دار للطباعة والنشر الورقي والإلكتروني